أحلام أحمد بكري
مذكرة أدبية 1407 هـ
فتحتُ عيني على صوت العمّ أحمد حلاوة، بائع حلوى النارجيل والسمسم المحمّص، يجول في الحيّ منادياً بأعلى صوته: «حلاوة نارجيل، حلاوة سمسم»
كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحاً، قفزتُ من سريري بخفّة متجهة إلى نافذة المطبخ بأقصى ما لديّ من سرعة، كي ألحق به وأوقفه لأشتري منه السمسم والنارجيل.
إنه يوم الخميس يا سادة، يوم الإجازة المدرسية ويوم الترفيه بالنسبة لي.
عندما سمع ندائي من داخل المطبخ توقّف عن المناداة، وبما أنّ نافذة المطبخ مرتفعة قليلاً عن طولي، كان لديّ –كالعادة– حلّ لتلك المعضلة.
سحبتُ الكرسيّ الخشبيّ الموجود في المطبخ، ووضعتُ شالاً على رأسي لتغطية شعري وجزء من وجهي، وهذا أمر طبيعي، فقد أصبحتُ في نظر أمي كبيرةً ويجب أن أحتجب، إذ بلغتُ الرابعة عشرة من عمري.
بعد أن سحبتُ الكرسيّ ، صعدتُ عليه وأخرجتُ رأسي أبحث عنه، فإذا به واقف في منتصف زقاق الحيّ يحمل على رأسه سفْرَة طعامٍ معدنية فيها الكثير من قطع السمسم والنارجيل، مغلّفة بأكياس من البلاستيك الشفاف، ويغطيها بقطعة من القماش الأبيض لتحميها من الحشرات والغبار.
كان ذا جسمٍ نحيلٍ تكسوه السمرة قليلاً، يرتدي ثوباً أبيض نقيّاً كنقاء الابتسامة التي تعلو وجهه، ويضع على رأسه طاقيةً بيضاء مشغولة باليد بدقّةٍ متناهية.
ناديتُ عليه مرةً أخرى، فأنزل السفرة من على رأسه ووضعها على خزان الماء الخارجي أسفل منزلنا، ثم رفع رأسه يبحث عن مصدر الصوت، فإذا بي متدلّية من نافذة المطبخ، ضحك على منظري وقال مبتسمًا: نعم يا ابنتي، بكم تريدين الحلوى؟
أخرجتُ يدي من النافذة ورميتُ له عشرة ريالاتٍ كنتُ قد استقطعتها وخبّأتها من مصروفي المدرسيّ اليوميّ لمثل هذه اللحظة الجميلة.
وقعت النقود على الأرض، فالتقطها ونفَضها بيده وثناها واضعاً إيّاها في جيبه الجانبيّ، ثم وضع لي في كيسٍ من البلاستيك خمساً من قطع السمسم والنارجيل، وعلّقها على باب منزلنا.
عاد بعدها إلى سفرة الحلوى، حملها على رأسه وأكمل سيره مناديًا: «حلاوة نارجيل، حلاوة سمسم!»
قفزتُ من على الكرسي بكل فرح، ونزلتُ درج المنزل بخفّة لأصل إلى مبتغاي، فتحتُ الباب وأخذتُ الحلوى المعلّقة عليه، أحتضنتُها بشغف قائلةً في نفسي:
لقد بدأ يوم الخميس، وبدأ الترفيه.