الكاتبة: أحلام أحمد بكري
ركضهم بين أزقّة الحي ولعبهم بالكُرة أزعجنا بعض الشيء هؤلاء الصبية، نحن فتيات الحارة نلعب (الكُندي) بعد أن جدّدنا خطوطهُ على التراب ليكُن أكثر وضوحاً، وكالعادة أكثرنا احترافاً من تبدأ وهنّ حليمة وعيشة وإلهام، ونظل بالانتظار أنا ونوّار ومريم ورفيعة وآمنة ننتظر دورنا في اللعب فنحن أقل خبرة منهن في رمي الحجر والقفز بين مربعات اللعبة، كنتُ أبلغ السادسة من العمر، كان ذلك عام ١٣٩٨هـ – ١٩٧٨م.
أثناء الانتظار لفت نظري جارنا الوقور يحمل بيده آلة لم أرها من قبل يمشي متجهاً إلى منزله، وكعادة الأطفال يتبعن بفضول كل غريب من باب اكتشاف الجديد، تسللتُ خلفهُ كما تسلل الصبية بعد أن لفت نظرهم جارنا أكثر من الكُرة، وما أن وصل منزلهُ حتى أدرك أننا خلفهُ، فأطلق ضحكتهُ المعتادة قائلاً لنا: ستشهد مدينتنا وأهلها الليلة ما يدهشها.!
قال له الصبية : ماهو ياعم أبكر..؟
رد قائلاً: إذاً راقبوني..!
دخل منزلهُ وبعد خمس دقائق وجدناهُ يلوح بيده لنا من فوق سطح بنايتهِ ومعه رجلان من الحي، بيدهم قطعة قماش بيضاء كبيرة بحجم المنزل أسدلوها من السطح حتى وصلت لنا ونحن ننظر أمام المنزل وشدّ وثاقها الرجلان من أعلى، نزلوا وخرجوا لنا من تحت قطعة القماش فقد غطّت على باب المنزل، ثم شدّوا وثاقها من الأسفل، ثم دخل مرة أخرى وخرج حاملاً الآلة وبعض توصيلات كهربائية، الآلة لها قاعدة ومعلقة بها حلقتان دائريتان.
ألتففن حولهُ وجميعنا يسأل، ما هذا يا عم أبكر..؟
رد قائلاً: هذه آلة عرض أفلام السينما.
لحظتها لم نفهم منه شيئاً، ولكن ما أن حلّت الساعة الثامنة والنصف بعد صلاة العشاء وجدناهُ قد وضع حاجزاً من قماش حول منزلهِ من جميع الأطراف وفرش المكان بالحصير ووضع بعض الكراسي وجلس عند جزء من نهاية الحاجز جعلهُ مفتوحًا، وضعهُ كمدخل وممر لدخول الناس، وبدأ يعلن عن الدخول لمشاهدة الفيلم الذي سيبدأ الساعة التاسعة عبر مكبر الصوت اليدوي الذي يحمله بيديه.
سعر الدخول حسب مكان الجلوس من الأمام للخلف يبدأ بريالين إلى خمسةِ ريالاتٍ.
وما أن قاربت التاسعة قام بتشغيل آلة السينما ودارت العجلتان وخرج ضوء قوي منها تجاه قطعة القماش، وما هي إلا ثوانٍ حتى بدأ الفيلم، حيث كان باللون الأبيض والأسود يغطي قطعة القماش التي على الجدار، وسط انبهار الجميع، الشباب يجلسون على الحصير وكبار السن على الكراسي.
أتعلمون أين نحن الأطفال ..؟!
منبطحين على الأرض نسترق النظر والسمع من تحت القواطع القماشية، وعندما شاهدنا العم أبكر ضحك علينا وأدخلنا قائلاً لنا بفرح: الأطفال دخولهم مجاناً.
كان المكان يسودهُ الظلام جلسنا على الحصير مرفوعي الرأس أمام شاشة كبيرة من القماش ومكبر صوت على الجانب مذهولين محلقين بخيالنا، في مكان آخر لا يشبه زُقاق الحيّ.
ولا عجب مدينتنا الصغيرة جازان بها (سينما الشارع) على جدار منزل العم أبكر حسن ناصر.