لم نعد نسأل: هل تتقدّم عسير سياحيًا؟ بل صار السؤال: كيف استطاعت عسير أن تتقدّم بهذه السرعة وفي وقتٍ قياسي؟
في الجنوب الغربي من المملكة العربية السعودية، حيث تلتقي الجبال بالسُحب، والمطر يصير رفيقًا دائمًا لا زائرًا عابرًا، تكتبُ عسير حكايتها السياحية الجديدة؛ حكايةُ نموٍّ متسارع، وتحوّلٍ مدروس، ونجاحٍ تجاوز حدود الجغرافيا ليصل إلى منصّات التتويج الخليجية والعالمية.
لم يكن النموُّ وليدَ الصدفة، بل نتيجة رؤية قيادية تنموية واعية، جمعت بين الاستثمار في الإنسان والمكان، قاد تلك النهضة السياحية أمير منطقة عسير سمو الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، وتكاملت مع جهود هيئة تطوير عسير التي حوّلت الرؤية إلى مشاريع نوعية مؤثرة، ضمن إطار رؤية السعودية 2030 التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وبفضل تلك الجهود والمقومات الطبيعية نجحت منطقةُ عسير في الحصول على جائزة Arabian Travel Awards لعام 2025 كأسرع وجهة سياحية نموًا في الخليج، كما حصلت سابقًا عسير بتميزها على عضوية UN Tourism، وعضوية PATA، وعضوية المجلس العالمي للسياحة المستدامة GSTC.
عسير بتنوعها الجغرافي من جبال شاهقة وسهول خضراء وأودية عميقة وسواحل على البحر الأحمر ومناخ معتدل جعلها ملاذًا صيفيًا حين تشتد الحرارة، هذا التنوّع منح عسير ميزةً تنافسيةً طبيعية، كما مُنحت عسير لقب «المنطقة العالمية لفنون الطهي 2024» وهو لقب يمنحه المعهد الدولي لفن الطهي والثقافة والفنون (IGCAT) كما تضم عسير كذلك 4 آلاف موقع تراثي متنوع ما بين قرى وأسواق وقلاع ومساجد، وبعد عناية وزارة السياحة ببعض القرى بعسير التراثية تم إدراج قرية طبب ورجال ألمع ضمن أفضل القرى السياحية عالميًا، كل ذلك أثَّر في استحقاقية عسير لجائزة Arabian Travel Awards 2025.
نمو ملحوظ في مؤشرات السياحة بعسير، ولغة الأرقام لا تجامل، فقد استضافت المنطقة 5 ملايين زائر في صيف 2025، وارتفع عدد ليالي الإقامة، وازداد متوسط مدة السائح، إلى جانب قفزات واضحة في الإنفاق السياحي، أما المنشآت السياحية الصغيرة والمتوسطة، فقد شهدت نموًا لافتًا بلغ 115% وبلغ استثمار المنشآت السياحية إلى 151%، باستثمارات تتجاوز 30 مليار ريال، ما يعكس حيوية السوق وثقة المستثمرين.
عسير اليوم ليست مجرد وجهة، بل نموذج تنموي يُدرّس، إذ كيف يمكن للتراث أن يصبح اقتصادًا، وللطبيعة أن تصير فرصة مُستغلَّة، وللهوية أن تكون جسرًا عابرًا إلى المستقبل لا عبئًا من الماضي.

