بقلم المغتربة بفرنسا: نعيمة معروف الجزائر
لم تكن القضايا العربية والإسلامية في يوم من الأيام بعيدة عن اهتمام القيادة السعودية، إلا أن الأمير محمد بن سلمان أعاد صياغة هذا الدور بوجه جديد يجمع بين الحزم والإنسانية وبين السياسة والدبلوماسية والعمل التنموي فهو ينطلق من قناعة راسخة بأن استقرار المملكة لا ينفصل عن استقرار جيرانها العرب وأن قوة المنطقة لا تقوم إلا بتكاتف أبنائها ودعم بعضهم البعض في وجه التحديات.
ويبرز اليمن كأحد أهم ميادين دعمه ومساندته فقد واجه اليمن أزمة معقدة أدت إلى تمزق نسيجه الاجتماعي وانهيار مؤسساته فجاءت السعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان لتقف بجانب شعبه على أكثر من صعيد فعلى المستوى السياسي عمل على دعم الشرعية اليمنية وحمايتها من محاولات الانقلاب والفوضى مؤكداً أن الحل النهائي للأزمة لن يكون إلا عبر طاولة الحوار ومشاركة جميع الأطراف، أما على المستوى الإنساني فقد وجّه بتقديم مساعدات ضخمة عبر مركز الملك سلمان للإغاثة شملت الغذاء والدواء ومشروعات صحية وتعليمية في المدن والمناطق النائية حتى أصبح اليمن أكبر دولة متلقية للمساعدات السعودية وفي مجال إعادة الإعمار تبنت المملكة مشروعات لإصلاح البنية التحتية وفتح فرص عمل لليمنيين بما أعاد الأمل إلى قلوب ملايين الأسر التي عانت ويلات الحرب ، وإذا كان اليمن يمثل البوابة الجنوبية للأمن العربي فإن الأمير محمد بن سلمان لم ينسَ بقية القضايا الملتهبة في محيطه.
ففي سوريا تحرك بخطوات متوازنة فدعم الشعب السوري بمليارات الريالات كمساعدات إنسانية وفتح المجال لعودة سوريا إلى الصف العربي بعد سنوات من العزلة إيماناً منه بأن الحل السياسي هو الطريق لإنهاء معاناة السوريين ووقف نزيف الدم.
أما في العراق فقد دعم مسيرة الاستقرار وإعادة البناء وشجع على تعزيز العلاقات الاقتصادية وفتح الاستثمارات ليعود العراق إلى دوره المحوري في المنطقة بعيداً عن الصراعات ولم تقتصر المساعدات على الجانب الرسمي بل امتدت للشعب العراقي عبر دعم المبادرات التعليمية والصحية والإنسانية.
وفي السودان لعب دوراً دبلوماسياً محورياً في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء وساهم في إطلاق مبادرات للحوار الوطني كما قدمت المملكة مساعدات عاجلة شملت الغذاء والدواء في أوقات المجاعة والأزمات الإنسانية إدراكاً منه أن وحدة السودان واستقراره تعني استقرار القارة بأكملها.
ولا يخفى دعمه المستمر لجمهورية مصر العربية في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية حيث عمل على تعزيز الشراكات الاستثمارية الكبرى وتقديم الدعم المباشر عند الأزمات تأكيداً على أن مصر هي ركيزة أساسية في العالم العربي.
أما في لبنان ورغم التعقيدات السياسية ظلت المملكة حاضرة بدعم اقتصادي وإنساني يسعى لتخفيف أزمات الشعب اللبناني.
وفي ليبيا وتونس دعمت المملكة جهود الاستقرار والوحدة الوطنية وسعت لتقوية المؤسسات ومنع انهيارها.
أما القضية الفلسطينية فهي حاضرة دائماً في أولويات الأمير محمد بن سلمان حيث أكد على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وواصل دعم الحكومة والشعب الفلسطيني في مختلف المجالات من المساعدات المالية المباشرة إلى المشاريع التنموية والتعليمية والصحية إضافة إلى الدفاع عن حقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية وكذلك بذل جهود جبارة لحل الدولتين وأقامة الدولة الفلسطينية فقد أعترفت أكثر من ١٥٠ دولة، بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية أستناداً الى حدود ١٩٦٧.
وفي هذا السياق برزت دولة قطر كمحور مهم في العمل العربي المشترك خصوصاً أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير، إذ أظهر الأمير محمد بن سلمان موقفاً عربياً موحداً داعماً للأشقاء في قطر في جهودهم الإنسانية والإعلامية والسياسية لنصرة الشعب الفلسطيني فقد أكد تضامن المملكة الكامل مع قطر في مواجهة أي محاولات للنيل من دورها وساهم في توحيد الصف الخليجي والعربي لمواجهة العدوان الإسرائيلي من خلال المواقف السياسية الواضحة والاتصالات الدبلوماسية المكثفة التي قادها شخصياً كما دعم التنسيق المشترك بين الرياض والدوحة لتقديم المساعدات العاجلة للفلسطينيين مما عزز وحدة الصف وأثبت أن الموقف العربي يمكن أن يكون موحداً وفعالاً في لحظات الأزمات.
ومن أبرز إنجازاته الدبلوماسية التي عكست رؤيته العميقة دوره في حل الخلافات مع إيران وإعادة بناء العلاقات معها بعد عقود من التوتر فقد قاد جهوداً تاريخية تكللت باتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران برعاية صينية وهو حدث غير مسبوق أعاد رسم ملامح التوازن الإقليمي ، أدار الأمير محمد بن سلمان هذا الملف بحكمة سياسية جمعت بين الصلابة في الدفاع عن مصالح المملكة والانفتاح على الحوار والتهدئة هذه الخطوة خففت من حدة التوتر في المنطقة وأعادت فتح قنوات التواصل بين القوتين الإقليميتين الأكبر في الخليج.
وكذلك حرص الأمير محمد بن سلمان على تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع جمهورية باكستان الإسلامية وهي علاقة تاريخية تقوم على الأخوة والدين والمصالح المشتركة في عهده انتقلت هذه العلاقة إلى مرحلة أكثر عمقاً وتنسيقاً خاصة في مجالات الدفاع والطاقة والاقتصاد، فقد لعب دوراً بارزاً في توقيع اتفاقيات تعاون دفاعي مشترك تضمنت برامج تدريب عسكري وتبادل معلومات أمنية وإجراء مناورات مشتركة مما عزز القدرات الدفاعية للطرفين.
كما دعم الاستثمارات السعودية في قطاعات الطاقة والبنية التحتية في باكستان وفتح آفاقاً جديدة للتعاون في الصناعات الدفاعية والبحث العلمي هذه الشراكة لم تكن مجرد علاقات تقليدية بل تحولت إلى ركيزة استراتيجية تدعم أمن واستقرار المنطقة بأسرها.
ولا يمكن الحديث عن الدبلوماسية السعودية الحديثة دون التوقف عند العلاقات السعودية – التركية والتي شهدت تحولاً جذرياً في عهد الأمير محمد بن سلمان. فبعد فترة من التوتر والاختلافات السياسية أدرك سموه أهمية إعادة بناء هذه العلاقة الحيوية بين قوتين محوريتين في العالم الإسلامي ،
قاد الأمير محمد بن سلمان بنفسه مسار المصالحة مع تركيا فقام بزيارة تاريخية إلى أنقرة أعقبها استقبال حافل للرئيس التركي في الرياض لتفتح مرحلة جديدة من التعاون تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة تم توقيع اتفاقيات اقتصادية وتجارية ودفاعية وجرى تفعيل مشاريع استثمارية ضخمة بين البلدين مما أسهم في تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والصناعة والبنية التحتية والدفاع كما تم الاتفاق على تكثيف التنسيق السياسي لحل قضايا المنطقة ودعم الاستقرار الإقليمي هذا التحول يعكس رؤية الأمير محمد بن سلمان الواقعية والمرنة في إدارة الملفات الحساسة.
ولم تقف تحركاته عند هذه الدول فقط بل امتدت إلى بناء شراكات قوية مع العديد من الدول العربية والإسلامية مثل المغرب والأردن والإمارات والبحرين.
يتضح من هذا النهج أن الأمير محمد بن سلمان لا يتعامل مع القضايا العربية كملفات منفصلة بل كمنظومة واحدة حيث تتكامل السياسة بالدبلوماسية والدعم الإنساني بالتنمية الاقتصادية والجهود الأمنية بالتحركات الدولية رؤيته تنبع من أن الأمة العربية كيان واحد وأن التحديات العابرة للحدود تحتاج إلى قيادة واعية تمتلك القدرة على إدارة حل الأزمات بحكمة وشجاعة.
إن الدور الذي يلعبه ولي العهد السعودي اليوم أعاد للأمة العربية روحها الجامعة وأكد أن السعودية لم ولن تتخلى عن قضايا أشقائها، بل إنها في ظل قيادته تترجم شعارات التضامن العربي إلى خطوات عملية تعيد بناء الأمل وتفتح الطريق لمستقبل أكثر استقراراً وعدلاً.