لكاتبة:أحلام أحمد بكري
راحة البال الكل يبحث عنها والكل ينشدها والكل يتمنى الوصول إليها وخاصة في هذا الزمن المتسارع والمُتغيّر والمضطرب بكثرة الأحداث..
إن بحثنا في اللغة عن مصطلح (راحة البال) لن نجد له أصل لغوي لأنه مصطلح عصري حديث ولكن توجد مصطلحات كثيرة تشير إليه وتأتي بفحوى معناه ومنها: الارتياح، الاسْتِجمام، اليسر، الاستراحة، الاسْتِرْخاء، الدَعَة، السَكِينَة، السُكُون، الطُمَأْنينة، الهدوء، الرَوْح، الرَحْمَة، الفَرَح.
ولكن استنادنا الرئيسي على أن راحة البال في مجملها هي حالة من الطمأنينة والسكينة الداخلية يشعر بها الإنسان عند زوال القلق والتوتر، وابتعاده عن الضغوط النفسية أو الهموم التي تشغل فكره، و تشير عادةً إلى شعور عميق بالأمان النفسي والرضا، بحيث يكون العقل صافياً، والقلب مطمئناً، والإنسان متقبّلاً لظروفه الحياتية دون اضطراب أو خوف.
(راحة البال) في كتابنا الكريم مرجعها الرئيسي للإطمئنان، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28) الطمأنينة الحقيقية لا تتحقق إلا بكثرة -ذكر الله-.
راحة البال تنبع من داخل النفس البشرية من خلال علاقة قوية بالله، مع نقاء القلب وأسلوب حياة متوازن وبسيط، الراحة -بالرضا بالقضاء- وبما هو مكتوب على الإنسان قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ (التغابن: 11)
إذاً الإيمان بأن كل ما يحدث للبشر هو بقضاء وبإذن الله يبعث في القلب السكينة والرضا..
كما أن -التسليم الكامل لله- وحسن الظن بالله مع السعي لما هو أفضل دون تعلق مفرط بالنتائج يجلب راحة القلب والثقة به قال تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: 51).
أيضاً من موجبات راحة البال -الاستعانة بالصبر والصلاة- قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 153) الصبر والصلاة يبعثان الراحة في النفس وطمأنينة القلب.
عند بحثنا في السنة النبوية الشريفة عن مصطلح (راحة البال)
لم يرد فيها هذا اللفظ بهذا التعبير تحديداً، لأن هذه العبارة كما قلنا مُسبقاً أسلوب عصري حديث، لكن جاء في السنة النبوية ما يدل على المعنى ذاته مثل: الطمأنينة، سكينة القلب، راحة النفس، وانشراح الصدر.
قال ﷺ: “ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس” (رواه الترمذي) يشير الحديث إلى أن القناعة والرضا سبب الطمأنينة وهو أعظم أسباب راحة القلب..
كما أكد الرسول الكريم على أن راحة القلب في الذكر، قال ﷺ: “مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت” (رواه البخاري) فالذكر حياة للقلب وسبب لسكينة النفس.
كما أن الإيمان والعمل الصالح يجلب الطمأنينة قال صلى الله عليه وسلم: “ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً” (رواه مسلم) الرضا القلبي هنا هو أصل الطمأنينة وراحة البال.
وأكد أيضاً رسولنا على صفاء النفس وخلو القلب بالبعد عن الحقد والحسد والبُغض قال صلى الله عليه وسلم: “لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عبادَ الله إخواناً” (رواه البخاري ومسلم) ففي نبذ الأحقاد والمشاحنات سبيلٌ لراحة النفس.
يمكن تلخيص مفهوم راحة البال في النقاط التالية:
-صفاء الذهن وغياب الأفكار المقلقة أو الهواجس المستمرة.
-الرضا والقناعة وتقبّل ما يمر به الإنسان بثقة وأمل.
-الاستقرار العاطفي والنفسي وتوازن المشاعر بعيداً عن التوتر والانفعال الزائد.
-الإحساس بالأمان والشعور بعدم وجود تهديدات أو مخاوف ملحّة.
-البعد عن مُراقبة الناس والانشغال بالنفس وعدم الدخول في مقارنات مع الآخرين.
كما أن هناك طرق عملية وواقعية تساعد على تحقيق راحة البال في نمط الحياة اليومية منها:
-تعزيز الجانب الروحي كالصلاة والذكر والدعاء فهي تمنح القلب طمأنينة وتقوي الثقة بالله.
-قراءة القرآن أو التأمل في معانيه يعيد التوازن الداخلي.
-ممارسة الامتنان وتعداد النِّعم يومياً ولو كانت صغيرة.
-تنظيم الحياة اليومية من حيث إدارة الوقت بترتيب الأولويات لتقليل الفوضى والشعور بالإرهاق.
-ترك فواصل للراحة والاسترخاء بين الأعمال.
-التقليل من الالتزامات غير الضرورية التي ترهق النفس.
-الاهتمام بالنفس والجسد بممارسة تمارين الاسترخاء أو التنفس العميق مع المشي في الطبيعة أو ممارسة نشاط رياضي.
-النوم الكافي والأكل الصحي لدعم استقرار المزاج.
-تحسين طريقة التفكير من خلال التقبّل فيما لا يمكن تغييره بدل مقاومته باستمرار.
-استبدال الأفكار السلبية بعبارات إيجابية واقعية.
-تحديد أهداف واضحة وصغيرة تساعد على الشعور بالإنجاز.
-بناء علاقات صحية بإحاطة النفس بأشخاص داعمين والبعد عن السلبيين.
-تعلم قول “لا” عند الحاجة للحفاظ على التوازن.
-مشاركة المشاعر مع من نثق بهم عند الشعور بالضغط.
-تخصيص مساحة للهدوء ووقت قصير يومي للجلوس بصمت أو التأمل.
-خلق بيئة مرتبة ونظيفة من حولنا لأنها تؤثر على الحالة النفسية.
ونحن في هذا العالم المُزدحم لا يسعنا إلا تبسيط الحياة قدر الإمكان وعدم تعقيدها وعدم أخذ الأمور على محمل الجد دائماً لنكسب راحة بالنا، ولا ننسى قول جلال الدين الرومي: “ألقِ ما في قلبك من همّ، فالأرض تدور مهما حدث”.
ويقول مصطفى صادق الرافعي: “راحة النفس تأتي من قلة الكلام وقلة مخالطة الأنام”.