لكلِّ ركنٍ من أركان الإسلام الخمسة ميقاتٌ معلوم، وليس لكلِّ ركنٍ مكان معلوم، فالشهادة كلمة واعتقاد، والصلاة عبادة تقام في أيةِ بقعة طاهرة، والزكاة صدقة تجبُ على مَن ملك نِصَابًا بلغ عليه الحول، والصوم صبرٌ عن الحرام والمباح من الفجر إلى المغرب، أما الحج فمكانٌ واحدٌ وعرفات ومناسكُ وميلادٌ جديدٌ.
لقد خُصَّت مكةُ بهذا الشرف العظيم فجُعلت مكانًا تهوي إليه أفئدةُ جميعِ المسلمين من أسطاع الأرض، وليس ذلك إلا لمكة، ولا يمكن لمسلمٍ أن يُتمِّمَ الأركان الخمسة إلا إذا زار هذا البلد مُحرمًا، وضَيفُ مكةَ أحقُّ بالإكرام، ولذا شرَّفها الله بقوله: {ومن دخله كان آمنًا}.
الحج عرفة، وعرفات دلالة على نبذ الفروق العنصرية، وقد قيل سُمي عرفة لتعارف مسلمي جنبات الأرض فوقه، فعليه يجتمع الأحمر والأسود والعربي والأعجمي والشرقي والغربي، يتعارفون بينهم على صعيد واحدٍ، هذه صورةُ الإسلام جليَّةٌ لكل متدبر، ففي عرفة تتجلى المساواة والإنسانية التي ينادي بها الغربُ ولا يزال يُعالجُها في مجتماعته إلى اليوم، ولا يقدر عليها.
واختتامٌ لهذا الكرم، يفيضُ كرمُه جلَّ شأنُه على مَن شهد المناسك برجوعٍ من ذنوبه كيوم وُلِدَ، ومَن لم يشهدها بعيد الأضحى، فيجددون الودَّ بينهم ويصلون أرحامهم، ويتكافلون ويتهادون لتظل إخوة الإسلام قوية في مجتمع واحد تجمعه رابطةُ متينةٌ، هي رابطةُ الدين.
لقد شهدَ موسم حج هذا العام نجاحًا كعادة كل موسمٍ ولله الحمد، وذلك بفضل تهيئة طاقات المملكة في التيسير على الحجيج، بِدءًا من تسهيل استخراج التصاريح، والمنظومة الصحية المتكاملة، ووسائل النقل، ومضخات البخار البارد لترطيب الجو، وتوسعة وافتتاح الطرق، ووجود منظمين قائمين على تيسير الدخول والخروج وأداء المناسك، وإرشاد الشاشات الإلكترونية، وتوزيع الأطمعة ومياه زمزم يوميًا، وافتتاح المسالخ وتوفير الأضاحي، وكذلك مبادرات المملكة الخاصة كمبادرة “طريق مكة” وبرنامج “ضيوف خادم الحرمين الشريفين” وغيرها من الجهود المبذولة لخدمة ضيوف الرحمن.
وإنَّنا إذ نذكرُ ذلك، فلا ننسى أن نرفع الشكر إلى مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله، على ما يقدمانه لخدمة بيت الله الحرام.
كما نشكر القائمين والعاملين على خدمة 1,833,164 قاصدًا لأداء فريضة الحج هذا العام، ونشكرُ كلَّ مَن يسَّر للحجيج أداء مناسكهم من رجال الأمن والبيئة والصحة والمنظمين والمتطوعين والمتطوعات وغيرهم ممن لا نعلمهم ويعلمهم الله.
وأخيرًا..؛ نسأل الله أن يحفظ على هذا البلد أمنه وأمانه واستقراره، كما نسأله لضيوفه حجَّا مبرورًا وعَودًا حميدًا إلى بلادهم آمنين.