في هذه الدنيا، يسلك المرءُ طُرقًا عديدة لبذل أعمال الخير، منهم مَن يطعمُ الفقير والمسكين، منهم مَن يذُبُّ عن الضعيف ويغيث ذا الحاجة الملهوف، ومنهم مَن يُميط الأذى، ومَن ينفق علمَه في سبيل الله، ولكلٍّ أجرٌ وأثر يلقاه في الدارين، لكنهم جميعًا ليس لهم كما لكافل اليتيم، فقد خصَّه النبي ﷺ بأجور كثيرة مميزة، ومن هنا انطلقت الجمعية الخيرية لرعاية اليتيم ببيشة «رأفة» فأخذت على عاتقها من أول يومٍ أن تنافس على هذه الكنز النبوي العظيم.
وتأسِّيًا برسول الله ﷺ الذي نشأ يتيمًا، وحبًا في حيازة الأجر الذي وعد به ﷺ في أحاديثَ كثيرةٍ، منها: {مَن مسح رأس يتيم ـ لم يمسحه إلا لله ـ كان له بكل شعرةٍ مرت عليها يده حسنات}. فقد ضربت جمعية «رأفة» أياديها في كل ربوع المحافظة لتمسحَ عن تلك القلوب الصغيرة بعض حزنها، تحاول جاهدةً أن تُخفف عنه ألم الفقد، أن توفرَ حاجاته، أن تصرفَه عن تحمل أعباءٍ أكبر من عمره، أن تُغنيه عن قضاءِ سِنيِّ عمرِه الأولى في السعي على المال لتوفير أرزاق أمِّه وإخوته، لينشأ الطفلُ نشأةً سويَّة كنشأةِ أقرانِه، فلا يستحقرنَّ نفسَه ولا يشعُرَنَّ بنقصٍ، ولا يحقدنَّ ولا يحسدنَّ.
فإذا كان جزاء المسح على رأس اليتيم هذا الجزاء العظيم، فكيف بمَن يمسح يوميًا عن رؤوسٍ عديدة؟ وكيف بمَن كرَّس جهودَه وشُغلَه وأوقاته في أن يتكفل بهم ويحنو عليهم؟ ذاك هو العمل الذي تجدُ حلاوتَه مرات عديدة، ولهذا فإنني أحسب أن «رأفة» تنعم في حلاوات كثيرة لا يعرف مذاقها إلا مَن نهلَ رشفةً من رشفاتها.
وحلاوة «كفالة اليتيم» تلمسُها مرةً في ارتسامِ ابتسامة كبيرة على ثغرِ صغير، ومرة عندما تجدُ أثرَ نعمة الله عليك لإيناسك وحدته وجبرك لضعفه، وعند لقاء ربك ستُجزى على عملك مرات عديدة، فإن رسول الله ﷺ قال: {أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين} وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى، كناية عن شدة قربه منه ﷺ وفي الوقت الذي أثبت الأجر ﷺ لكافل اليتيم، جعلَ من السبع الموبقات «أكل مال اليتيم»
كما جعل ﷺ كافلَ اليتيم كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار، إذا تكفل بأم اليتيم، إذ قال عليه الصلاة والسلام: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار).
وكذلك أثبت له الجنة في قوله: (مَن ضمَّ يتيمًا بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة البتة).
وأشار إلى أن الكفالة ترقق القلب وتقضي الحاجات، عندما نصح أحد أصحابه: (أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك).
ونحنُ إذ نُشير إلى أن المملكة _هذه البلاد المباركة_ عامرة بأعمال الخير، وانتشار الجمعيات الخيرية في كل مناطقها ومحافظاتها، واهتمام القيادة بها اهتمامًا بالغًا، فإنَّه لا بدَّ أن نُعَرِّج على الدور الكبير الذي تقوم به جمعية «رأفة» حتى صارت إحدى أكبر الجمعيات الخيرية على مستوى المملكة، بما تبذله من جهود وفضل وجود. وبعدما بدا ليَّ عجزي عن إحصاء أعمالها الخيرية، فقد وجب أن أنوه إلى هدف الجمعية الأسمى، وقد حددته الجمعيةُ في بناء وتمكين اليتيم وأسرته من خلال الرعاية المتكاملة والبرامج النوعية والشراكات المجتمعية والتميز المؤسسي.
وأشير أخيرًا إلى جهدِ الجمعية المميز في مبادرة أجاويد 2 بيشة؛ إذ أقامت أمس الثلاثاء إفطارها الرمضاني بحضور محافظ بيشة د. عبد الرحمن بن عبد الله آل حامد، وجمعٍ من الضيوف والداعمين والإعلاميين، كما دشَّنت أثناءه عدة مبادرات للفترة القادمة، نسأل الله لها دوام البذل والعطاء والقبول.