الكاتبة:أحلام أحمد بكري
للحُب عمر زمني، افتراضي، مرحليّ، كالإنسان تماماً.
(جنين وطفل فشباب ثم نضج وشيخوخة)
فالحب (الجنيني) هو الحب الأعمى الذي لا يبصر من الحقيقة الآ بصيص نور والبقية ظُلمة.
لا تمييز ولا تمايز في صنعة الحب، باللهجة الدارجة وبالمثل القائل “مراية الحب عمياء”.
وهي أسوء مراحل الحب؛ لا متعة فيه ولا راحة لقلب أو عقل
والكارثة العظمى، أن تُهدر حياتك كلها وأنت متوقف عند هذه المرحلة.
لا تعلمك التجارب، ولا صفعات البشر الذين يمرون على شِفاف قلبك.
يقول الشاعر قيس بن الملوّح:
تَدَاوَيْتُ مِنْ لَيْلَى بِلَيْلَى عَن الْهَوى
كمَا يَتَدَاوَى شَارِبُ الخَمْرِ بِالْخَمْرِ
بينما الحب (الطفولي) فيه من التسمية الشيء الكثير (شقاوة وغيرة وعشوائية وفوضوية وأنانية وغضب وثورة واندفاع وهوس وجنون وغباء واتكالية وبلادة فكر وعدم إدراك وشك) بالمختصر عاصفة حب مراهقة وليست حالة حب.
حب كارثي يشبه أفلام الأكشن الذي تعيش أحداثه طيلة العرض ولا تخرج منه بفائدة سوى قليل من المتعة وكثير من الإثارة.
أما الحب بمرحلة الشباب أو الحب (الشبابي) فهو الحب المتفتّح على الحياة أكثر.
حب ممزوج عاطفة بنكهة العقل يشوبهُ الحذر والتردد.
حب يُغالب الشخصيّة ويجعلها مطواعة وأكثر ميلان للاتزان والهدوء.
حب كي ينجح ويستمر ينبغي أن يكون موزونًا بكفتي الاهتمام والاحتواء على حدٍّ سواء.
الحب الشبابي به الكثير من المتعة متدني الإثارة، يقف وينتهي عند نقطة الكبرياء والكرامة، كما يمكن التخلص منه بسهولة إذا اختل به ميزان الاهتمام والاحتواء.
يقول شاعرنا الأمير عبدالله الفيصل رحمه الله:
يُكذِّبُ فيك كلَّ الناسِ قلبي
وتسمعُ فيك كلَّ الناسِ أُذني.
وكمْ طافتْ عليَّ ظلالُ شكٍّ
أقضّت مضجعي واستعبدتني
كأنّي طافَ بي رَكبُ الليالي
يُحدِّثُ عنك في الدنيا وعنّي
على أني أُغالطُ فيك سمعي
وتُبصر فيك غيرَ الشكِّ عيني
وما أنا بالمُصدِّق فيك قولاً
ولكنّي شقيتُ بحُسنِ ظنّي
الحب (الناضج) وممكن أن نطلق عليه حب الضرورة وحب الحاجة والإدمان والاعتياد، وهو من أعمق وأعلى وأفخم درجات الحب.
هذا الحب وثيق الارتباط؛ به الكثير من التنازلات من أجل الحفاظ على الآخر.
يشبه حب الحياة، لا يمكن أن ينتهي ولا يمكن التخلص منه أو تفتيته وتفكيكه، والخروج منه أشبه بالخروج من الحياة والحكم على صاحبهُ بالموت.
حب تخطى كل الدرجات والمراحل وهو من أصعب أنواع الحب ومراحله.
يقول الشاعر قيس بن ذريح:
لَقَد عَذَّبتَني يا حُبَّ لُبنى
فَقَع ، إِمّا بِمَوتٍ أَو حَياةِ
فَإِنَّ المَوتَ أَروَحُ مِن حَياةٍ
نَدومُ عَلى التَباعُدِ وَالشَتاتِ
وَقالَ الأَقرَبونَ تَعَزَّ عَنها
فَقُلتُ لَهُم إِذَن حانَت وَفاتي
بينما حب (الشيخوخة) هو الحب المنطفئ، المحكوم عليه بالموت قبل الولادة، الحب من طرف واحد الحب الأناني.
حب يُولد ويتكاثر ويشبّ وينضج ويذبل ويشيخ ويموت؛ ولا يرى الشمس، صاحبهُ يموت باليوم مئة مرةٍ، ولا يشعر به أحد.
قارئي العزيز قدّ تمر عليك مرحلة مما سبق بالحب؛ تلامس روحك.
وتسخر من مرحلة أخرى بمحدودية سذاجتها، وقد تكرهُ نفسك بمرحلة منها،
وأحياناً تتمنى لو أنك تخطيت كل المراحل لتصل إلى المرحلة التي تصبو لها، وقد تعيش مراحل الحب مجتمعة بموقف واحد، وأحياناً تقف عند مرحلة منها طيلة حياتك..
بينما الغالبية من البشر تتدرج معهم مراحل الحب حسب قناعاتهم وأمزجتهم، وحسب معترك الحياة والزمن وكثافة البشر حولهم؛ ومدى صولاتهم وجولاتهم وانتصاراتهم وهزائمهم بها.
قارئي الكريم ، أنا على يقين الآن بعد قراءتك للمقال، أنك ابتسمت حيناً وتقطّب جبينك حيناً آخر، وشتمتَ بعض المواقف التي مرّت على ذاكرتك قليلاً، وحمدتَ الله أنك تخطيت بعضها بخيرها وشرّها، لكن تذكر شيئا واحداً فقط، أن الحب غير ثابت بنظرية موحدة.
الحب في أعماقك ، متغيّر حسب مستوى نضج التفكير أو سطحيتهُ، وحسب معركتك مع صروف الحياة والزمن والآخرين، نصيحة قديمة:
لا تحاول أن تبحث عن عيوب الآخر
يكفي أنهُ أظهر الجانب الأفضل لك

