إبراهيم النعمي
في زمن طغت فيه المظاهر على الجوهر، وتغيرت فيه القلوب قبل أن تتغير الأشكال، صرنا نعيش ثقافات دخيلة على مجتمعاتنا الإسلامية، ثقافات قائمة على المصالح، والرد بالمثل، والقطيعة لأتفه الأسباب، لقد تبدلت أحوال الناس، وتغيرت مفاهيم العلاقات الاجتماعية، فالأخ لا يزور أخاه، والابن لا يزور والديه إلا في المناسبات، والقريب لا يعلم عن قريبه شيئًا، والجار يؤذي جاره بدل أن يكون سندًا له.
أصبحنا نعيش في زمن الهجر والتنازع، وتفشت في مجتمعاتنا ثقافة بائسة، شعارها: “تزورني أزُرك، تتصل بي أتصل بك، تحضر عزيمتي أحضر عزيمتك.”
حتى بلغ الأمر ببعض الناس أنه إذا وقع على أخيه المسلم مصاب كالموت أو المرض، ولم يجد من الوقت أو الظروف ما يسعفه لتعزيته أو الوقوف معه، قطع علاقته به، وكأنه يعاقبه على المصيبة!
قال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: “لا تعامل الناس في العواطف بمقياس البيع والشراء، ولا بميزان الربح والخسارة، بل عاملهم بالكرم والجود.”
فكن ممن إذا رُؤي ذُكر الله، ومن إذا عُرف دُعي له بالخير، ومن إذا غاب ذُكر بالجميل.
علينا أن نعود إلى تعاليم ديننا الإسلامي السمحة، التي أرست قواعد التواصل والمحبة والإحسان بين الناس، منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: «حقّ المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتّبعه». (رواه مسلم)
لكن للأسف، عند بعض الناس ضاعت هذه الحقوق، وغلبت الأنانية والماديات على القيم والرحم، حتى إلقاء السلام – وهو أيسر الحقوق – أصبح ثقيلاً على ألسنة البعض!
فلماذا هذا الجفاء؟
هل هو بسبب الانشغال بمغريات الحياة؟
أم التنافس على الدنيا الزائلة؟
أم الحسد والحقد؟
أم أن المدنية الحديثة، التي كان يُفترض أن تقرّب الناس، فرّقتهم، وأشغلتهم بأنفسهم؟
لنراجع أنفسنا، ولنُعد للحياة الاجتماعية دفئها، وللعلاقات الإنسانية معناها، ولنُحيِ ما اندثر من قيم الإسلام الجميلة، فهي سبب سعادتنا في الدنيا والآخرة.