الكاتبة/ أحلام أحمد بكري
مؤنسةٌ للنفس، مريحة ٌ للأعصاب جالبة الهدوء للروح، وتصل بالفكر إلى التنوير والإبداع؛ هذه هي العزلة الاجتماعية الاختيارية التي يحتاجها الفرد من حين لآخر في حياتهِ.
ويحتاج الفرد لثلاث أشياء كي ينجح في فتح باب العزلة: (اقتناع، جُرأة، قرار) قال تعالى في سورة مريم: (قَال رَبّ اجعَل لِي آية قَال آيَتَُك َأَلّا تُكَلِّمَ الَنّاس ثَلَاث لَيَالٍ سويّا) آية (١٠).
الرغبة في تجنب الشعور بالإزعاج؛ الناتج عن التواجد مع الناس بكثرة واستمرار، بحيث يشكل التواجد الاجتماعي ضرراً على الفرد، ويفضل حينها أن يكون منعزلا ً باختيارهِ، لا قسرا ً.
وهنا يجب التفرقة بين العزلة والوحدة، فالوحدة نتاج عوامل نفسية واجتماعية ومادية ومرضيّة؛ تجعل الفرد يتجنب الناس عمداً.
بينما العزلة يختارها الفرد ليهرب من مجتمعهِ، وينأى بنفسه طلباً للراحة والهدوء، بحثاً عن التأمل والاعتكاف مع الذات، متحرراً من الواجبات الاجتماعية فترة من الزمن.
رغبة في ترتيب أولوياته والالتفات إلى اهتماماته، متحرراً بفكره ِ بعيداً عن أقرب الناس إليه؛ ليستطيع العودة بكامل نشاطه وحيويته إلى المجتمع.
وهنا أشير إلى أن المنعزلين ليس شرطاً فيمن يفتقرون لمهارة التواصل مع البشر فينعزلون؛ بل على العكس هم أفراد لديهم المهارات الكافية للتعامل مع البشر ولكن لديهم درجة الإحساس عالية جداً، تصل بهم إلى التعب والإرهاق النفسي أثناء التعامل مع الناس، هم ببساطة أفراد مرهفين وكثير منهم مبدعون، يجنحون للعزلة لصفاء أذهانهم وسمو أرواحهم والرقي بأفكارهم.
فترات العزلة عامل مساعد ومفيد، يجعل الفرد أكثر استعداداً لمخالطة المجتمع مرة أخرى فالغياب العرضي الاختياري من وقت لآخر للترتيب ولهدوء النفس وللارتقاء بالروح؛ يساعد في نهاية الأمر على التركيز على المدى البعيد.
هناك خطر على الأفراد الذين لم يمارسوا العزلة على الإطلاق نجدهم أكثر تشتتاً، وفوضى في حياتهم، وأكثر عصبية أثناء ممارسة حياتهم العادية، وأكثر صداماً مع بقية البشر؛ فقد شكلت الضغوطات الاجتماعية على أنفسهم عبئاً، وهم لا يشعرون ولا يدركون ذلك.
وكأنهم بحاجة إلى التنبيه من شخص آخر؛ ليفتح لهم الضوء الأخضر ويقول لهم أنهم في حاجة إلى عزلة ولو لوقت قصير؛ لترتيب الفوضى التي تعصف بهم.
يقول العالم توماس أديسون: “أفضل التفكير يكون في العزلة، أسوأهُ ما يكون في الزحام”.
ويقول الكاتب وديع سعادة: “كأن الاحتفاء بالذات لا يتم إلا بالعزلة وكأن الاحتفاء بالحياة لا يكون إلا بالصمت”.
ومن الصعب أن تكون مسترخياً بشكل كامل، و مدركاً لذاتك ومتأملاً في حياتك دون ممارسة العزلة الاجتماعية من وقت لآخر.
فرفقًا بأنفسكم من حين لآخر.