أ.د محمد بن ناصر البيشي
كنت في زمن المراهقة أطرب لهذه الأغنية مثل غيري من الناس؛ وكنت لا أحلل ولا أقيم تصرفاتي ولا تصرفات من حولي؛ بل أرى ذلك من متطلبات الذكاء الاجتماعي.
وبعدما أنعم الله علي بشيء يسير من الخبرة في الحياة تغير معنى سكة التائهين من سكة أهل العشق والغرام؛ إلى سكة الانحراف مثل: الانغماس في الشهوات؛ وتبديد المال؛ وتعاطي مذهبات المروءة والعقل؛ وأعمال التطرف والإرهاب؛ وفقدان الطموح؛ وضياع المسؤولية، ومافي حكمها.
وبدأت أتأمل في نفسي وفي غيري من أشخاص أعرفهم جيدًا وأحزنني كثيرًا تحول البعض من نجم صاعد في مجاله إلى تائه في سكة التائهين ومن هؤلاء:
(1) شخص نشأ في طاعة الله حتى بلغ إمامه المسجد، ثم بدأ في التحول حتى انتهى به الأمر تائهًا في سكة التائهين.
(2) رجل أعمال ناجح وممن في أموالهم حق معلوم؛ وله أيادٍ بيضاءٌ على المحتاجين من أسرته ومجتمعه؛ ويشهد له بالأمانة؛ وكون ثروة؛ وخلق وظائف، ومثل المجتمع الاقتصادي في رحلات عمل وعضوية لجان؛ وفجأة ينحدر من قمة مجده الاقتصادي إلى تائه في سكة التائهين.
(3) معلم أو موظف متميز وبنى سمعة مشرفة في مجاله وترقى في سلم الوظيفة وكان يتوقع له مستقبل عظيم، إذا به يتلاشى كحبات الثلج؛ ويتجه بعنف إلى سكة التايهين.
(4) موهوب في الشعر أو الرياضة أو التمثيل يمتع بموهبته المحبين لفنه، وتتعاظم شهرته، ثم فجاة ينطفئ مثل انطفاء مصباح قطعت عنه الكهرباء، ويترجل من قمة النجاح إلى متاهات سكة التائهين.
وما سبق مجرد أمثلة؛ وبفضل الله لا زالت حالات فردية لم تصل إلى حد الظاهرة ولكنها مؤلمة ومفجعة ولها أضرار متعدية، فهي خسارة جسيمة للمجتمع وقدوات سلبية وتحتاج إلى الدراسة والمعالجة.
ولقد شد انتباهي لهذه المشكلة أحد المأمومين في صلاة التراويح الذي قال بصوت عالٍ يشبه الصياح “آمين” عندما قال الإمام في الدعاء: “يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا”
ومن باب الأخذ بالأسباب حيث لا يوجد حصانة لأحد؛ أقدم بعض الاستراتيجيات الوقائية ومنها:
(1) الدعاء لأنفسنا ولمن نحب “يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك؛ ربنا لا تزغ عقولنا بعد أن هديتنا” وثق في الله بالاستجابة.
2) ترشيد السفر واصطحاب الأسرة في السفر قدر الإمكان؛ واختيار الدول الأقل شرًا؛ وتفضيل السفر مع قروبات سياحية؛ والاستمتاع بحضور فعاليات ترفيهية نظيفة.
3) تزكية الضمير وإحيائه بالخير؛ وبالثقافة والمواعظ؛ وكراهية الغلط؛ والأهم الاستقامة والتمسك بالدين الذي يظهر له أثر تعبدي.
4) أخذ العبرة من غيره ممن وقعوا في سكة التائهين، والعاقل من اتعظ بغيره، فهو ليس سوبر مان؛ والنفس أمارة بالسوء، والشيطان حريص على إغواء البشر، ولا يسلم من شره أحد.
5) الابتعاد عن جلساء السوء وجماعات الرذيلة والفساد مهما كانت المبررات والوسيلة لا تبرر الغاية والاستقواء بالهيبة وعلو الشأن حيث يخجل الفاسدين إغرائه بسكة التائهين.
6) إيجاد بدائل أفضل من سكة التائهين مثل: خدمة المجتمع؛ إصلاح ذات البين؛ الحديث عن تجربته؛ أعمال التطوع والزراعة والقنص وركوب الخيل، وحضور الدورات وإكمال التعليم، والنفس إذا لم تشغلها أشغلتك.
7) تحصين النفس بالمعوذات وإكثار الشكر لله على ما تفضل به عليه من نعم، وعدم الشماتة بغيره.
8) الثقة في النفس والاعتزاز لمجاهدتها ودفعها إلى الخير.
9) الإسراع في التوبة والعودة السريعة إذا وقع في خطئ، وتصحيح المسار والهروب من سكة التائهين وإدارة الأزمات وتحمل الصدمات عند حدوثها والصبر في الملمات ففي بعض الأحيان تكون نقطة تحول.
10) مراعاة مشاعر محبيه وأسرته حيث يحزنهم تحول حاله ومشاهدته يموت أمام أعينهم، وهو السند والعزوة وممن كان يشد به الظهر ويزين له الفخر.