الكاتبة أحلام أحمد بكري
اليوم الذي أنتظرهُ طوال العام بكل شغف وحب إنه يوم الثامن والعشرين من شهر رمضان المبارك، فما أن ينقضي نهاره إلا وأنا في حالة ترقب وعجل لدخول ليلته الخاصة المُحببة على قلبي.
طفلة العاشرة عام ١٤٠٣هـ – ١٩٨٣م ، على موعد مع أخيها الأكبر (علي) المُكلف من قبل الوالد الكريم بمهمة جميلة ورحلة سنوية تُعطرها خواتيم رمضان المبارك وتُبهجها دخول العيد إلى محل العم (زيدان)المُخصص لبيع ملابس العيد، كان المحل الشهير في شارع الملك فيصل في حي الشامية بالبلد، وتكمُن شهرته لسبب بسيط جداً ، لا يوجد سواه في مدينتنا الصغيرة جازان.
ما أن يبدأ وينتهي أخي الكبير من صلاة العشاء والتراويح في مسجد حارتنا مسجد الشيخ عباس عقيل، وأنا أقف له في حالة ترقب أمام منزلنا، ألهو مع أقراني داخل زُقاق الحي وعيني على مفرق الزُقاق، متسائلة متى يأتي أخي لأنطلق لرحلة البحث عن فستان العيد، وفي خضم لعبي مع قريناتي أمام المنزل وصل لمسمع أذني صوته الحبيب يناديني بكل لطف قائلاً : هيا بنا. مدّ يده اليُمنى كي أمسك بها، أمسكتها بقوة ومشى بي نحو حلمي الذي أوشك أن يتحقق.
وصلنا المحل الذي يقع بمنتصف الشارع، ذا باب زُجاجي، تظهر منه الفساتين البيضاء كأنها الغيم السابحة في السماء، بينما بدت الفساتين الوردية كزهرات متناثرة، وقف وقال: ما اللون التي تريدينه هذا العام..؟
قلتُ: كان فستاني العيد السابق باللون الأبيض، أريده هذا العام بلون الزهر..؟
قال: لك ذلك.
دخلنا المحل وبدأ يختار المقاس المناسب، فكل عام أزداد شِبراً في الطول، كان أخي ذو ذائقة رفيعة في اختيار الملابس، أنيق بطبعه، جلب لي فستانًا رقيقًا مكوّنًا من قماش الدانتيل والحرير، وبتصميم فخم مُزود بطبقات داخلية كثيفة كي يتسنى لي أن ألتف حول نفسي بحركات دائرية ومن ثم أقف؛ لأجده ينتفخ مع الهواء، ولن يكتمل هذا الفستان إلا بشرائط حريرية ترتبط حول الخصر وتتدلى من الخلف، الفستان الآن يحتاج حقيبة يد صغيرة وحذاء أنيق بنفس اللون، أجلسني أخي الحبيب على كرسي خشبي داخل المحل وبدأ يختار المقاس المناسب للحذاء ويدفعه لي كي أجربهُ، وأنا أقوم بلبس الحذاء وأمشي به داخل المحل لأتأكد من ملاءمته على قدمي.
في قمة انشغالي بالحقيبة المناسبة واختياري بين أكثر من حقيبة طرحها لي أخي، لفت نظري وجود بعض الفساتين بها قبعات جميلة، تُزينها شرائط حريرية حمراء اللون، طلبتُ من أخي شراء واحدة لي، أُعجب بالفكرة، أخذ قبعة ووضعها على راسي وقال ضاحكاً: أصبحتي تشبهين الملكة إليزابيث لا ينقصكِ سوى قفازات اليد.
وقتها لم أكن أعلم من هي الملكة إليزابيث ولا أريد أن أعرف، ففرحتي بفستان العيد فاقت كل شي.