بعد سنوات من الصدام العلني والاتهامات المتبادلة، تشهد العلاقة بين دونالد ترامب وعمالقة التكنولوجيا في وادي السيليكون تحولًا كبيرًا. من التهديدات بالسجن إلى التبرعات بملايين الدولارات، أصبحت شركات مثل “ميتا” و”أمازون” و”جوجل” تتنافس على كسب ود الرئيس الأمريكي السابق، الذي يبدو أنه يستمتع بهذا التحول الدراماتيكي. فما الذي دفع هذه الشركات إلى تغيير مواقفها؟ وكيف يمكن أن يؤثر هذا التحالف الجديد على مستقبل التكنولوجيا والسياسة في أمريكا؟
التحول الكبير
في يناير 2021، علقت “ميتا” حساب ترامب على “فيسبوك” بعد أحداث الشغب في مبنى الكابيتول، واصفة تحركاته بأنها “تحريض على العنف”. لكن بعد أربع سنوات، تغيرت النغمة تمامًا. أعلن مارك زوكربيرغ، رئيس “ميتا”، أن فوز ترامب في الانتخابات يمثل “نقطة تحول ثقافية”، وقرر إنهاء عمل “المتحققين من الحقائق” الذين اتهمهم بـ”تدمير ثقة الجمهور”. هذا التحول ليس مجرد تغيير في السياسة، بل يعكس استراتيجية أوسع لشركات التكنولوجيا لضمان بقائها في دائرة النفوذ السياسي.
ولم تكن “ميتا” الوحيدة التي غيرت موقفها. تبرعت شركات كبرى مثل “أمازون” و”جوجل” و”مايكروسوفت” بمليون دولار لكل منها لصندوق تنصيب ترامب. حتى سام ألتمان، رئيس “أوبن إيه آي”، وتيم كوك، رئيس “أبل”، اللذان انتقدا ترامب سابقًا، انضما إلى قائمة المتبرعين. هذه التبرعات تجاوزت الرقم القياسي الذي سجلته تنصيبات سابقة، مما يظهر مدى رغبة هذه الشركات في إرضاء ترامب.
استراتيجية البقاء
يقول محللون إن شركات التكنولوجيا تتبنى سياسة “الامتثال الاستباقي” لتجنب استهدافها من قبل إدارة ترامب الجديدة. بريندان نيهان، عالم السياسة في دارتموث، يرى أن هذه الخطوات تهدف إلى “تقليل احتمالية تعرضها للاضطهاد أو الهجمات”. بمعنى آخر، تفضل الشركات إنفاق الأموال الآن بدلاً من مواجهة تحديات أكبر في المستقبل.
ولم تقتصر الجهود على التبرعات المالية. قام مسؤولون تنفيذيون بزيارة ترامب في ناديه “مار-أ-لاغو” في فلوريدا، حيث تمت مناقشة مستقبل التكنولوجيا والسياسة. حتى أن زوكربيرغ قدم لترامب نظارات ذكية تعمل بالذكاء الاصطناعي كهدية خلال إحدى الزيارات. هذه اللقاءات الشخصية تعكس رغبة عميقة في بناء جسور الثقة مع الرئيس المنتخب.
انتقادات واسعة
لكن هذه التحولات لم تمر دون انتقادات. وصفها البعض بأنها “انحناء لمصالح الشركات الذاتية”. السناتور مارشا بلاكبيرن، على سبيل المثال، قالت إن تغيير سياسة “ميتا” كان “مناورة لتجنب التنظيم”. حتى بعض المحافظين، مثل المعلقة كانديس أوينز، تساءلت عن دوافع زوكربيرغ المفاجئة في دعم حرية التعبير.
ورغم كل هذه الجهود، يبقى مستقبل العلاقة بين ترامب وشركات التكنولوجيا غير واضح. هل ستنجح هذه الاستراتيجية في حماية الشركات من التنظيمات الصارمة؟ أم أن ترامب سيستخدم نفوذه الجديد لفرض سياسات أكثر صرامة؟ في عالم السياسة والتكنولوجيا، تبدو الإجابات دائمًا أكثر تعقيدًا مما نتصور.